سورة الأحزاب - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحزاب)


        


{وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الله وَرَسُولَهُ} أي تردنَ رسولَه وذِكرُ الله عزَّ وجلَّ للإيذانِ بجلالةِ محلِّه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عندَه تعالى {والدار الاخرة} أي نعيمَها الذي لا قدرَ عندَه للدُّنيا وما فيها جميعاً {فَإِنَّ الله أَعَدَّ للمحسنات مِنكُنَّ} بمقابلةِ إحسانِهن {أَجْراً عَظِيماً} لا يُقادر قَدرُه ولا يُبلغ غايتُه. ومِن للتَّبيينِ لأنَّ كلَّهن محسناتٌ وتجريدُ الشَّرطيةِ الأُولى عن الوعيدِ للمبالغةِ في تحقيقِ معنى التَّخييرِ والاحترازِ عن شائبةِ الإكراهِ وهو السرُّ فيما ذُكر من تقديمِ التَّمتيعِ على التَّسريحِ وفي وصفِ السَّراح بالجميلِ.
{يانساء النبى} تلوينٌ للخطابِ وتوجيهٌ له إليهنَّ لإظهارِ الاعتناءِ بنُصحهنَّ، ونداؤهن ههنا وفيما بعدَه بالإضافةِ إليه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لأنَّها التي يدورُ عليها ما يردُ عليهنَّ من الأحكامِ {مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بفاحشة} بكبيرةٍ {مُّبَيّنَةٍ} ظاهرةِ القُبحِ من بين بمعنى تبين وقرئ بفتحِ الياءِ والمرادُ بها كلُّ ما اقترفنَ من الكبائرِ وقيل: هي عصيانُهنَّ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم ونشوزهنَّ وطلبهنَّ منه ما يشقُّ عليه أو ما يضيق به ذرعُه ويغتمُّ لأجلِه. وقرئ: {تأتِ} بالفوقانيَّةِ {يُضَاعَفْ لَهَا العذاب ضِعْفَيْنِ} أي يعذبنَّ ضعفي عذابِ غيرهنَّ أي مثليهِ لأنَّ الذنبَ منهنَّ أقبحُ فإنَّ زيادةَ قُبحه تابعةٌ لزيادةِ فضلِ المذنبِ والنِّعمةِ عليهِ ولذلك جُعل حدُّ الحرِّ ضعفَ حدِّ الرَّقيقِ وعُوتب الأنبياءُ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ بما لا يُعاتب به الأممُ. وقرئ: {يُضعَّف} على البناءِ للمفعولِ و{يُضاعف} و{نُضعِّف} بنونِ العظمةِ على البناءِ للفاعلِ ونَصبِ العذابِ {وَكَانَ ذلك عَلَى الله يَسِيراً} لا يمنعُه من التَّضعيفِ كونُهنَّ نساءَ النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بل يدعُوه إليهِ لمراعاةِ حقِّهِ.


{وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ} وقرئ بالتَّاءِ أي ومن يدُم على الطَّاعةِ {للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالحا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} مرةً على الطَّاعةِ والتَّقوى وأُخرى على طلبهن رضَا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بالقناعةِ وحُسنِ المعاشرةِ. وقرئ: {يَعملْ} بالياءِ حملاً على لفظِ مَنْ ويُؤتها على أنَّ فيه ضميرَ اسمِ الله تعالى {وَأَعْتَدْنَا لَهَا} في الجنَّةِ زيادةً على أجرِها المضاعفِ {رِزْقاً كَرِيماً} مرضيًّا.
{يانساء النبى لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النساء} أصلُ أحدٍ وَحَد بمعنى الواحدِ ثم وُضع في النَّفيِ مستوياً فيه المذكَّرُ والمؤنَّثُ والواحدُ والكثيرُ. والمعنى لستنَّ كجماعةٍ واحدةٍ من جماعاتِ النِّساءِ في الفضلِ والشَّرفِ {إِنِ اتقيتن} مخالفةَ حكمِ الله تعالى ورضا رسولِه أو إنِ اتصفتنَّ بالتَّقوى كما هُو اللائقُ بحالِكنَّ {فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقول} عند مخاطبةِ النَّاسِ أي لا تُجبْن بقولِكن خاضعاً ليِّناً على سَننِ قولِ المريبات والمُومساتِ {فَيَطْمَعَ الذى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ} أي فجورٌ ورِيبةٌ. وقرئ بالجزمِ عطفاً على محلِّ فعل النَّهي على أنَّه نهيٌ لمريضِ القلبِ عن الطمعِ عقيب نهيهنَّ عن الإطماعِ بالقولِ الخاضعِ كأنَّه قيل: فلا تخضعْنَ بالقولِ فلا يطمعَ مريضُ القلبِ {وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} بعيداً عن الرِّيبةِ والإطماعِ بجدَ وخشُونةٍ من غيرِ تخنيثٍ أو قولاً حسناً مع كونِه خَشِناً {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ} أمرٌ من قرَّ يقَرُّ من بابِ علَم وأصله اقرَرْنَ فحُذفتْ الرَّاءُ الأولى وألقيتْ فتحتُها على ما قبلَها كما في قولِك: ظلْن، أو من قارَّ يقارُّ إذا اجتمعَ، وقرئ بكسرِ القافِ من وَقِر يَقِر وَقَاراً إذا ثبتَ واستقرَّ وأصلُه أوقرنَ ففعل به ما فُعل بعِدن من وَعد أو من قرَّ يقرُّ حذفت إحدى راءي اقررن ونُقلت كسرتُها إلى القافِ كما تقول: ظلن {وَلاَ تَبَرَّجْنَ} أي لا تتبخترْن في مشيكنَّ {تَبَرُّجَ الجاهلية الاولى} أي تبرجاً مثلَ تبرجِ النساءِ في الجاهليةِ القديمةِ وهي ما بينَ آدمَ ونوحٍ وقيل: إدريس ونوحٍ عليهما السَّلامُ وقيل: الزَّمانُ الذي وُلد فيه إبراهيمُ عليه السَّلامُ كانتِ المرأةُ تلبسُ دِرْعاً من اللُّؤلؤِ فتمشِي وسطَ الطَّريقِ تعرض نفسَها على الرِّجالِ وقيل: زمنُ داودَ وسليمانَ عليهما السَّلامُ. والجاهليَّةُ الأُخرَى ما بينَ عيسَى ومحمَّدٍ عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ وقيل: الجاهليةُ الأولى الكفرُ والجاهليَّةُ الأُخرى الفسوقُ في الإسلامِ ويُؤيِّدُه قولُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لأبي الدَّرداءِ: «إنَّ فيكَ جاهليةَ كفرٍ أو جاهليةَ إسلامٍ» قال: بل جاهليةُ كفرٍ {وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ} أُمرن بهما لإنافتِهما على غيرِهما وكونِهما أصلَ الطَّاعاتِ البدنيةِ والماليةِ {وَأَطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ} أي في كلِّ ما تأتن وما تذرنَّ لا سيَّما فيما أُمرتن به ونُهيتنَّ عنه {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس} أي الذَّنبَ المدنس لعرضِكم وهو تعليلٌ لأمرهنَّ ونهيهنَّ على الاستئنافِ ولذلك عمَّم الحكمَ بتعميمِ الخطابِ لغيرهنَّ وصرَّحَ بالمقصودِ حيثُ قيل بطريقِ النِّداءِ أو المدحِ: {أَهْلَ البيت} مُراداً بهم من حَواهم بيتُ النُّبوة {وَيُطَهّرَكُمْ} من أوضارِ الأوزارِ والمَعاصي {تَطْهِيراً} بليغاً.
واستعارةُ الرِّجسِ للمعصيةِ، والتَّرشيحُ بالتَّطهيرِ لمزيدِ التَّنفيرِ عنها، وهذهِ كما ترى آيةٌ بينةٌ وحجَّةٌ نيرةٌ على كونِ نساءِ النبيِّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ من أهلِ بيتِه قاضيةً ببُطلان رأيِ الشِّيعةِ في تخصيصِهم أهليةَ البيتِ بفاطمةَ وعليَ وابنيهما رضوانُ الله عليهم. وأمَّا ما تمسَّكُوا به من أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرجَ ذاتَ غُدوةٍ وعليه مِرطٌ مرحَّلٌ من شَعَرٍ أسودَ، وجلسَ فأتتْ فاطمةُ فأدخلَها فيهِ ثم جاءَ عليٌّ فأدخلَه فيه، ثم جاء الحسنُ والحسينُ فأدخلَهما فيهِ ثمَّ قال: {إنَّما يُريد الله ليُذهبَ عنكم الرِّجسَ أهلَ البيتِ} فإنَّما يدلُّ على كونِهم من أهلِ البيتِ لا على أنَّ من عداهم ليسُوا كذلك ولو فُرضت دلالتُه على ذلك لما اعتدَّ بها لكونِها في مُقابلةِ النَّصِّ.


{واذكرن مَا يتلى فِى بُيُوتِكُنَّ} أي اذكُرن للنَّاس بطريقِ العظةِ والتَّذكيرِ ما يُتلى في بيوتكنَّ {مِنْ ءايات الله والحكمة} من الكتابِ الجامعِ بين كونِه آياتِ الله البينةِ الدَّالَّةِ على صدقِ النُّبوةِ بنظمِه المُعجزِ وكونِه حكمةً منطويةً على فُنونِ العلومِ والشَّرائعِ وهو تذكيرٌ بما أنعم عليهنَّ حيثُ جعلهنَّ أهلَ بيتِ النُّبوةِ ومهبطَ الوحيِ وما شاهدْن من بُرَحاءِ الوحيِ ممَّا يُوجب قوةَ الإيمانِ والحرصَ على الطَّاعةِ حثًّا على الانتهاءِ والائتمارِ فيما كُلّفنه، والتعرضُ للتِّلاوةِ في البيوتِ وإن كان النزول فيها مع أنَّه الأنسبُ لكونِها مهبطَ الوحيِ لعمومِها لجميعِ الآياتِ ووقوعِها في كلِّ البيوتِ وتكرُّرِها الموجبِ لتمكنهنَّ من الذِّكرِ والتَّذكيرِ بخلافِ النزولِ، وعدمُ تعيينِ التَّالي لتعمَّ تلاوةَ جبريلَ وتلاوةَ النبيِّ عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ وتلاوتهنَّ وتلاوةَ غيرهنَّ تعليماً وتعلُّماً {إِنَّ الله كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} يعلمُ ويدبِّرُ ما يصلحُ في الدِّينِ ولذلك فعلَ ما فعلَ من الأمرِ والنَّهيِ أو يعلمُ مَن يصلُح للنُّبوةِ ومن يستأهلُ أنْ يكونَ من أهلِ بيتِه.
{إِنَّ المسلمين والمسلمات} أي الدَّاخلينَ في السِّلمِ المُنقادينَ لحكمِ الله تعالى من الذُّكورِ والإناثِ {والمؤمنين والمؤمنات} المصدِّقينَ بما يجبُ أنْ يصدَّقَ بهِ من الفريقينِ {والقانتين والقانتات} المداومينَ على الطَّاعاتِ القائمينَ بها {والصادقين والصادقات} في القولِ والعملِ {والصابرين والصابرات} على الطَّاعاتِ وعَنِ المَعَاصي {والخاشعين والخاشعات} المتواضعينَ لله بقلوبِهم وجوارحِهم {والمتصدقين والمتصدقات} بما وجبَ في مالِهم {والصائمين والصائمات} الصَّومَ المفروضَ {والحافظين فُرُوجَهُمْ والحافظات} عن الحرامِ {والذكرين الله كَثِيراً والذكرات} بقلوبِهم وألسنتِهم {أَعَدَّ الله لَهُمْ} بسببِ مما عملُوا من الحسناتِ المذكورةِ {مَغْفِرَةً} لما اقترفُوا من الصَّغائرِ لأنهنَّ مكفراتٌ بما عملُوا من الأعمالِ الصَّالحةِ {وَأَجْراً عَظِيماً} على ما صدرَ عنهم من الطَّاعاتِ والآياتِ وعدَّ لهنَّ ولأمثالِهنَّ على الطَّاعةِ والتَّدرعِ بهذهِ الخصالِ الحميدةِ. (رُوي أنَّ أزواجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ورضي عنهنَّ قلنَ: يا رسولَ الله، ذَكَر الله الرِّجالَ في القرآنِ بخيرٍ فما فينا خيرٌ نذكرُ به إنَّا نخافُ أنْ لا يقبلَ منَّا طاعةٌ فنزلتْ). وقيلَ: السَّائلةُ أمُّ سلمةَ. (ورُوي أنَّه لمَّا نزلَ في نساءِ النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ما نزلَ قالَ نساءُ المؤمنينَ: فما نزلَ فينا شيءٌ فنزلتْ). وعطفُ الإناثِ على الذُّكورِ لاختلافِ الجنسينِ وهو ضروريٌّ. وأمَّا عطفُ الزَّوجينِ على الزَّوجينِ فلتغايرِ الوصفينِ فلا يكونُ ضرورياً ولذلكَ تُرك في قولِه تعالى: {مسلمات مؤمنات} وفائدتُه الدِّلالةُ على أنَّ مدارَ إعدادِ ما أُعدَّ لهُم جمعُهم بين هذهِ النُّعوتِ الجميلةِ.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8